الموت يكتب الشطر الأخير من حياة شاعر الوطن إبراهيم خفاجي

ابن حارة سوق الليل الذي أصبح رائدًا من روّاد الشعر والثقافة والأدب ..

 طوى الموت حياة القامة الشعرية الوطنية والغنائية إبراهيم خفاجي، كاتبا الشطر الأخير من حياته الثرية بحب قادة الوطن والناس والبسطاء والمثقفين، فتوقف القلب الذي خفق بالخفاق الأخضر، صاعدة روحه إلى علياء ربه، مورثا أبناءه المجد، وقصة كفاح عريق وعصامية مكللة بالإنجاز، وبصمة وطنية وإرثا فنيا كبيرا لن يمحوه الزمن.


فارق شاعر النشيد الوطني الحياة بعد سنوات غنية بالعطاء، عن عمر ناهز ال 96 سنة حفلت بالمشاركة في الحياة الثقافية والأدبية، وكتابة عديد من القصائد التي تغنى بها أقطاب الفن العربي والخليجي، وأديت الصلاة عليه عقب صلاة الجمعة أمس في المسجد الحرام، ودفن في مقابر المعلاة.

موهبة شعرية :

تعلق خفاجي بأهداب الموهبة الشعرية، فصارت لأشعاره قدرة عجيبة على توجيه مسار الأغنية السعودية، فتتميز كلماته بتعزيزها للقيم وروابط الانتماء للوطن، كما تستطيع من خلالها أن تستلهم التاريخ والحضارة، وتستشعر الواقع, ومنها ما جاء في أوبريت عرايس المملكة:

وابتدى صقر الجزيرة من الرياض
ومشى للحق من دون اعتراض
فنمى الخير غزيرا ثم فاض
اترك التقدير خل الافتراض

علاقات ممتدة :

كان يحظى بارتباط وثيق مع شرائح متعددة من المجتمع، ساعده في ذلك تنقلاته في عدد من الوظائف بمختلف مدن السعودية، فسافر إلى الرياض، ومنها للحدود الشمالية، وذهب إلى ينبع والوجه والمدينة المنورة والظفيروالشرقية وعدد من المناطق الأخرى، قبل أن يعود مجددا إلى مكة للعمل في قسم الأخبار بالنيابة العامة.

كلمات النشيد الوطني :

لا يمل خفاجي من الإجابة على السؤال الذي يتردد بكثرة على مسامعه عن قصة كتابته لكلمات النشيد الوطني، لعلمه أنها ستظل أيقونة وطنية خالدة مرتبطة باسمه، فقال عنها «كان الملك خالد، رحمه الله، في زيارة إلى جمهورية مصر، وبينما هو في المنصة الرئيسة عزف السالمان الملكي السعودي والمصري، وكان السلام السعودي عبارة عن موسيقى فقط، فطلب من المختصين إعداد كلمات للنشيد الوطني تكون مطابقة للموسيقى
الموجودة .»


بعدها طلب المسؤولون من خفاجي أن يكتب كلمات النشيد الوطني، وسلموه شروطا عدة، فأتممها بعد ستة أشهر، وحرص أن تحمل كلماته الكثير من القيم التي تتماشى مع الشريعة الإسلامية وسياسة الدولة، وكان هذا في عهد الملك فهد رحمه الله وقد بدأ بثه رسميا أثناء افتتاح واختتام البث التلفزيوني والإذاعي منذ يوم الجمعة 1 / 10 / 1404 هــ

عرايس المملكة :

أتاح له عمله الوظيفي التنقل إلى كل مناطق المملكة من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، واكتسب ثقافات وعادات مختلفة، حتى صارت له نوافذ يطل منها على الأفكار الأخرى والثقافات المتعددة
التي وظفها في أشعاره، وجمع من خلالها حصيلة معلومات أوبريت عرايس المملكة الذي قدمه في 1416 وكانت كلماته حينها تاريخية وتراثية تحفظ اللهجة والأغنية.





تكريم ملكي :

في 2012 ، تفضل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، بتقليد خفاجي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، نظير سجله الحافل بكثير من الإنجازات والأعمال الغنائية الناجحة التي قدمها عدد من الفنانين العرب.

شاعر الهلال :

عرف عن خفاجي ميوله الزرقاء، وهلاليته المتعصبة، حتى لقبته جماهير نادي الهلال ب " شاعر الهلال " ولكونه أحد الذين ساهموا بتأسيسه، وكتب فيما بعد أبياته الشهيرة التي قال في مقدمتها:
إذا لعب الهلال فخبروني
فإن الفن منبعه الهلال
امتع ناظري بهلال نجد
فمن قمصانه خلق الكمال




قالوا عنه :


( فقدنا قامة سامقة ورمزا من رموز الأدب والفن في السعودية. شاعرالوطن أثرى الساحة الفنية بمئات القصائد، حتى إن الأمير خالد الفيصل عندما زاره في بيته عقب حصوله على وسام الملك عبدالعزيز، لقبه بأستاذ شعراء الأغنية السعودية. عندما يأتي هذا اللقب من شاعر كبير مثل الفيصل يضعنا على مكانة الخفاجي الأدبية والثقافية. والدولة لم تقصر في تكريم هذا الرمز، حيث يعتبر الشاعر الوحيد الذي كرم مرات عدة )

- فريد مخلص | كبير المذيعين بإذاعة جدة


« أصبح خفاجي رمزا لمكة قبل أن يكون رمزا للوطن، فأهالي مكة يعتبرونه المثل الأكبر في الأعمال الوطنية والاجتماعية، حيث شارك في كتابة أغاني أفراح لأجيال في مكة. ويحسب له الاهتمام الكبير بالمواهب في بدايتها، وأهم مثال محمد عبده، ففي الوقت الذي كان فيه عبده مطربا ناشئا وجديدا في الساحة كان خفاجي داعما له حتى ظهر بشكل بارز على الساحة الفنية ، وكذلك عبدالمجيد عبدالله .»

- علي فقندش | إعلامي


« خفاجي من رجال الوطن البارزين، أسس لنموذج يحتذى به خلال عمله الحكومي متنقلا بين الوزارات في عدد من مناطق المملكة. وعندما تفرغ في الثمانينات الهجرية أبدع في كتابة النصوص الوطنية، ومنها النشيد الوطني وأوبريت الجنادرية وغيرها، إلى جانب قربه من الناس كان من أكثر الشعراء الذين حظوا بتقدير الدولة، ولم تغيره الأوسمة والعلاقات بل زادته قربا من الناس. والآن، يغادر الدنيا بصورة نقية وتاريخ ذهبي .»

- خالد الحسيني | تربوي وإعلامي