مكة المكرمة والمسجد الحرام وأثرهـــــــما في شخصية الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان

بمناسبة حفل تدشين مكتبة معالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان رحمه الله والإصدار والمعرض المصاحب بمقر مؤسسة المداد بقاعة الصفا بمتحف المكتين بمركز جدة بارك.
مكة المكرمة والمسجد الحرام وأثرهما في شخصية الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان
مقدمة :
معالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان رحمه الله رحمة الأبرار، شخصية مكية عالمية، ترك بصمة قوية في حياتنا علمًا وتوجيهًا وفكرًا وإصلاحًا، ينأى بنفسه عن الأضواء، إلاّ أن قلمه وعلمه وفكره ملأ الدنيا، وشغل الأذهان؛ لتعدد مواهبه التي احتلت مكانتها المرموقة في ميادين وأروقة المعرفة والثقافة، لتعلن عن نفسها وتبرز عن هويتها الدينية والتزامها بقيم الإسلام والدفاع عنه.
لم يترك شيئًا مما يؤرق حياة المجتمع الإسلامي إلا وأعمل قلمه المبارك فيه، بصراحةٍ وقوة، واضعًا أنامله الشريفة على الداء، دالاً على الدواء.
كان رحمه الله مسموع الكلمة، مسدد الرأي، لتوفر أسباب هذا التمكين؛ فقد جمع بين المزاحمة بالركب والجثو في مجالس العلماء في دورهم و حصوات وأروقة المسجد الحرام، وبالدراسة المنظمة والاكاديمية، حتى كانت قدمه راسخة في كل العلوم والفنون والآداب.
فكتب في الفقه وأصوله وفروعه ومقاصده وقضاياه، ليختم حياته الحافلة بالعطاء، بتقديم خالص العرفان والإمتنان لبلده خير البلدان (مكة المكرمة)، فكتب عنها كتابة المؤرخ المتمكن من هذا العلم سابق و سبق فرسان هذا الميدان.
-وُلد رحمه الله في مكة المكرمة بحي شعب عامر في شهر ذي الحجة ١٣٥٥هـ .
[توفي والده وعمره خمس سنوات].
- تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة دار الأيتام بمكة المكرمة بحي أجياد، تخرج عام ١٣٦٩ هـ .
[ كان يذهب على قدميه إلى المدرسة من حي شعب عامر إلى حي أجياد، يمكث في المدرسه أسبوعًا من فجر السبت ليعود إلى والدته عصر الخميس ، والمسافة طويلة جدًا ].
-التحق بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، و تخرج عام ١٣٧٣هـ .
[ لم يكن يفكر في يوم من الأيام أن يكون طالب علم البته، كان يحلم أن يكون مهندسا أوطبيبا، ولكن إرادة الله هيأت الأسباب في طريقه إلى مدرسة تحضير البعثات، قابله الأستاذ المربي الصالح عبد المؤمن مجلد
[ جاء في اليوميات التي دونها أحمد علي أسدالله الكاظمي رحمه الله والتي تعدها دارة الملك عبدالعزيز للنشر كاملة في إصدار مستقل، (وكُاتبها من رجالات التعليم الرواد في المملكة العربية السعودية، عمل معاونًا لمدير مدرسة الأمراء بالرياض ومعلمًا فيها خلال الفترة 1357-1373هـ، ثم مفتشًا بوزارة المعارف وعميدًا لكلية الشريعة بمكة المكرمة. توفي رحمه الله في 1413هـ)
يقول:
السبت 10 /6/ 1373هـ - الشيخ عبدالمؤمن مجلد
شاب تقي زاملته في الدراسة بالمعهد ثم تخرجت معه وتعين مدرسًا ثم انتقل إلى وظيفة كاتب في المعارف ثم إلى محاسب، وهكذا تدرج من وظيفة إلى أعلى في إدارة المعارف، يعطف على الفقراء بمساعدتهم ولولا وجوده في هذا المركز لذهب عدد كبير من المعلمين القدامى ضحية الطائشين من الجيل الجديد ]
وهو حامل ملف تخرجه بارك له، وأخذ يسأله عن مستقبله، فرد الطالب عبد الوهاب برغبته في الدراسة في مدرسة تحضير البعثات، فغضب منه الأستاذ، وقال له: إلا يكفي أن أخوك ترك أمك وسافر ؟! ، أرحم أمك والتحق بالمعهد العلمي السعودي الذي يعطي مكافأة شهرية تساعد بها الوالدة على مصاريف البيت.
هنا احتار الطالب بين طموحه ورغباته وبين صعوبة المعيشة، والأستاذ كلما وجده أعاد عليه الكلام (النصيحة)، أسبوعًا كاملاً على هذا الحال، حينها قرر الطالب الالتحاق بالمعهد العلمي السعودي.
وفي المعهد أُعجب جدًا بمادة البلاغة، فأشار عليه زميله في دار الأيتام والمعهد أحمد بن خالد البدلي المالكي بالإنتظام في حلقة الشيخ حسن بن محمد المشاط الذي كان يُدرس كتاب الجوهر المكنون، من بعد صلاة المغرب إلى قبيل صلاة العشاء بحصوة ورواق باب المحكمة بالمسجد الحرام، وفي يوم من الأيام وعند المغادرة أمسك الشيخ حسن بالطالب عبد الوهاب، وسأله من حضرتك؟
فقال: عبدالوهاب أبو سليمان.
ومن والدك؟
فقال : إبراهيم.
فقال له المعلم رحمه الله ٠
تعرف يا ابني إنّك جاري؟
فقال: لا
عندها سأله الشيخ : ما مذهبك ؟
فقال: أمي تقول مالكي.
ولم يكن له معرفة وافية بعلوم الشريعة، لكن عشقه للغة العربية وآدابها، سبب حضوره عند الشيخ ، فقال له الشيخ : قل للوالدة الله يجعل للدعوة حقيقة.
غدًا فجرًا تأتي برسالة ابن أبي زيد القيراوني، فسكت الطالب عبد الوهاب، فقال له الشيخ : أنت ما تستلم مكافأة من المعهد؟
فقال: نعم ، لكن أعطيها لأمي، فأعجب الشيخ من جوابه وحضنه، فشعر الطالب بأُبوة الشيخ، وكان للشيخ ابن وحيد أحمد، فأصبح لديه ابن آخر عبدالوهاب.
مُلازمة الشيخ حسن بن محمد المشاط رحمه الله تعالى:
نبذة مختصرة عن الشيخ حسن بن محمد مشاط المالكي المكي : ( ١٣١٧-١٣٩٩هـ ).
فقيهٌ مالكيٌّ ، تولَّى التدريس بالمسجد الحرام والمدرسة الصولتية، وعمل بالمحاكِم الشرعيَّة، ثم عضوًا في هيئة التمييز ، ثم وكيلاً لرئيس محكمة مكَّة ، ثم عضوًا في مجلس الشورى ، ثم عاد للقضاء.
ولد بمكَّة سنة ١٣١٧هـ ، وتوفي بمكة عام ١٣٩٩هـ.
من مؤلفاته:
«الإرشاد بذكر بعض ما لي مِن الإجازة والإسناد»
«إسعاف أهل الإسلام بوظائفِ الحج إلى بيت الله الحرام»
«إسعاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان»
«تقريرات على البيقونية»
«الحدود البهية في القواعد المنطقية».
«إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم» وغيرها.
https://makkawi.azurewebsites.net/Article/234/
[قُبيل الأذان الأول يطرق الشيخ حسن باب دار أبو سليمان ويخرجان إلى المسجد الحرام، يقرأ الطالب على الشيخ حسن في الخلوة بين الأذانين يوميًا، وقبل الأذان الثاني يذهبان للطواف، لمدة سبع سنوات]
تأثر الطالب بشيخه تأثرًا عجيبًا ليصبح ثاني شخصية أثرت في تكوين شخصية الطالب، لقد كان الشيخ حسن وارثا نبويا، حريصا على أن يربي طلابه على مكارم الأخلاق، وعلى محبة آل البيت الشريف.
علمًا بأن الشخصية الأولى التى أثرت فيه والدته السيدة رقية فيومي رحمها الله تعالى ، فكانت له كل شيء، ارضعته الأخلاق الحسنة والخصال النبيلة، ثم
ثم أتى شيخه ليواصل معاها المسير. وقد ضمت حلقة وخلوة الشيخ حسن طلاب علم وشخصيات مكية عظيمة كان لهم أعظم الأثر على الطلاب وهم كثر.
[ يصف شيخه حسن المشاط كما في مقدمة تحقيقه لكتاب (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) بقوله:
"كان رحمه الله مثال العلماء العاملين، ونموذج القدوة الحسنة، فيه عزة العلماء، وإباء الأتقياء ، لا يتزلف أصحاب المناصب زائراً أو مزوراً ، يؤثر الطلاب والمستفيدين في مجلسه وحديثه على من عداهم ، وكان يغرس هذه الروح في طلابه وجلسائه ، جم التواضع ، رقيق الحاشية ، متبسطاً مع تلاميذه ومعارفه، لا يأنف أن يمازحهم ، ويداعب صغارهم بما يزيدهم تعلقاً به ، فكان يروي أرواحهم بحاله ومقاله" ].
[لقد شرفنا الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان في جريدة «عكاظ» مساء يوم ١٤٣٤/١١/٢٤هـ وصلى المغرب معنا وكان في وداعه نائب رئيس التحرير محمد المختار الفال وتجاذبا أطراف حديث شهي وفيما كانا ينتظران مصعد الدور الثاني قال الدكتور عبدالوهاب:
لقد غرس فيّ شيخي حسن مشاط رحمة الله عليه خصلتين هما عزة النفس ومحبة آل البيت].
المصدر : الأحد / 25 / ربيع الأول / 1435 هـ الأحد 26 يناير 2014 م.
ولا يُذكر القاضي الأصولي الشيخ حسن بن محمد المشاط رحمه الله إلا وتذكر هذه القضية:
[ في سنة ١٣٦٨هـ : طلّق أحد أبناء أعيان مكة المكرمة زوجته ، وهي حامل باعترافه، ثم بعد ٥ سنوات وضعت مولودها ! وحدث الخلاف.
ورفعت القضية إلى القاضي الشيخ حسن المشاط، فأثبت نسبته لوالده، في حين رفض والده ذلك ، فرفعت القضية إلى الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، وقد احالها إلى فضيلة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي أيد الشيخ حسن المشاط في حكمه وصدر صك شرعي بثبوت النسب إلى والده]
أما الشخصية الثالثة فالسيد القاضي محسن بن عمر العطاس يقول فضيلته في كتابه العلماء والأدباء الوراقون في الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري، نشره نادي الطائف الأدبي عام ١٤٢٣هـ :
"كنت اجلس إليه مجلس الطالب من شيخه، اطرح عليه بعض المشكلات العلمية والمسائل الفقهية، فأجد لديه الجواب الشافي، والتوجيه السديد، ويفتح أمامي جوانب علمية لم تكن بالبال، ولا أنسى له تعليقاته على (الفكر الأصولي) رحمه الله رحمة واسعة الذي كان باكورة عملي العلمي في مجال التخصص، نلت به مع أعمال أخرى درجة الأستاذية عام ١٤٠٣هـ بجامعة أم القرى".
https://makkawi.azurewebsites.net/Article/1326/
و أما الشخصية الرابعة التي أثرت في شخصيته، الشيخ محمد طاهر بن عبدالقادر كردي (1321 –1400هـ)
والد زوجته أم أنس السيدة فاطمة بنت محمد طاهر الكردي ، خطاط مديرية المعارف الشهير وصاحب الموسوعة التاريخية (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) الذائعة الصيت التي جمع فيها وأوعى وأحاط وألمّ.
والشيخ الكردي من أبناء مكة المكرمة مولدًا ونشأةً فقد سرى حبها في شرايينه، وأوقف جزءًا من تصانيفه لمعشوقته أم القرى، بل انفرد عن غيره بتأليف كتاب (مقام إبراهيم عليه السلام) الذي أصدره مركز تاريخ مكة المكرمة مع دراسة ضافية أنيقة انبرى لها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء.
https://makkawi.azurewebsites.net/Article/127/
أما الشخصية الأخيرة الشيخ علي بن بكر الكنوي (1334-1399هـ) صاحب الصوت الجهوري العصامي، كان محل إجلال وإحترام من الجميع ، مُقري درس الشيخ حسن المشاط ، من حبه فيه وإجلاله له، نقله من مدرسة الزاهر المتوسطة إلى كلية الشريعة بمكة المكرمة ودرس في كلية الشريعة (1390 –1399هـ).
https://makkawi.azurewebsites.net/Article/124/
-درس بكلية الشريعة بمكة المكرمة، وتخرج عام ١٣٧٧ هـ .
-تتلمذ على علماء المسجد الحرام نذكر منهم من قرأ عليهم :
- الشيخ القاضي محمد يحيى بن أمان بن عبد الله الكتبي الحنفي (ت 1387 هـ )
- السيد محمد بن العربي التباني
الجزائري المالكي ، شيخ مشايخ الحجاز ( ت 1390هـ )
-العلامة السيد علوي بن عباس المالكي ( ت1391 هـ )
-والد زوجه الشيخ محمد طاهر بن عبدالقادر كردي الشافعي الخطاط والمؤرخ المشهور ( ت 1400هـ )
- الشيخ محمد نور بن سيف المهيري المالكي ( ت1403هـ )
-السيد محمد أمين كتبي الحسني الحنفي (ت 1404هـ )
-مُسند الوقت والعصر، أبو الفيض علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني الشافعي (ت 1410 هـ)
-الشيخ زكريا بن عبدالله بن حسن بيلا بن زينل الشافعي ( ت 1413 هـ)
-القاضي إبراهيم بن داود بن عبد القادر فطاني الشافعي المكي (ت 1413 هـ)
-السيد إسحاق بن عقيل عزوز الحسني الشافعي (ت1415 هـ )
وغيرهم رحمهم الله تعالى.
ولازم الفقيه الأصولي القاضي والمدرس بالمسجد الحرام والمدرسة الصولتية الشيخ حسن بن محمد المشاط رحمه الله
( ١٣١٧- ١٣٩٩هـ ) ولازمه سبع سنوات ملازمة الظل للشاخص في منزله العامر وبالمسجد الحرام ، بحصوة ورواق باب المحكمة ، درس عليه العلوم الشرعية الفقه وأصوله ، والحديث وعلومه ، والتفسير ، والسيرة النبوية الشريفة ، وعلوم اللغة العربية والآلة النحو ، والبلاغة ، والمنطق مختصراتها ومطولاتها ) خلال مرحلتيّ المعهد العلمي السعودي وكلية الشريعة.
-بدأ حياته العملية في شهر صفر عام ١٣٧٨هـ مُدرسًا لمادتيّ : الفقه والتفسير، بمدرسة الزاهر المتوسطة باعتبارها أول مدرسة متوسطه في مكة المكرمة ، أعد تفسيرًا للأجزاء المقررة.
-اُنتدب لتدريس اللغة العربية وطرق تدريس العلوم الشرعية بالدورة الصيفية للمعلمين ، التي كانت تنظمها وزارة المعارف بالطائف.
-حصل على دبلوم التربية للمعلمين من الجامعة الأمريكية ببيروت في صيف عام ١٣٨٢هـ
[ تزوج من السيدة فاطمة بنت الشيخ الموسوعي الخطاط محمد طاهر الكردي الشافعي ]
[ زادت رغبته في مواصلة التعليم ، ولم تكن في الأفق ملامح ، فقرر أن يزيد من دخله ، ويدخر ليكمل التعليم خارج بلادنا الحبيبة ، أنشأ مكتبة قرطاسية للأدوات المدرسية والصحف والمجلات في حي الخريق ، ومن الطريف أن سائق التكسي الحربي الذي يشتري منه الصحف كل يوم ، أصبح فيما بعد زميله في كلية الشريعة ، بل عميد الدراسات العليا فيها
( عويد بن عياد المطرفي رحمه الله )
https://makkawi.azurewebsites.net/Article/445/
-صدر أمر معالي وزير المعارف بنقله مُدرسًا إلى المدرسة العزيزية الثانوية بمكة المكرمة عام ١٣٨٣هـ ، درس العلوم العربية الدينية ، وأخرج مُلخصًا مدرسيًا لكتاب عبقرية الصديق رضي الله عنه للأستاذ عباس محمود العقاد.
-أمر معالي وزير المعارف بتعيينه معيدًا بكلية الشريعة بمكة المكرمة عام ١٣٨٤هـ. ودرس مادتيّ أصول الفقه والفقه المقارن.
[ كان طموحه منذ تخرج من دار الأيتام أن يواصل تعليمه حتى يبلغ أعلى الدرجات العلمية ، ولكن شيخه لم يرض بسفره .
فعاش أياما وليالي وهو مكدر الخاطر والبال ، وذات يوم رآه أحد الصالحين الأخيار من آل بيت النبي المختار صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( السيد عبد الله بن حسن الجفري )
فقال له : ما يشغلك يابني؟
فقال له : الشيخ حسن رافض سفري للندن ، فقال له السيد : ربنا ييسر الأمور .
كلم السيد عبد الله الشيخ حسن ، وبعد مناقشة لم تستمر طويلاً ، وافق الشيخ حسن ، وسافر المعيد إلى لندن هو زوجته وابنته سحر ].
[السفر إلى بريطانيا مثلاً قبل نصف قرن لا يقره كثير من العلماء .
ومن ذلك قصة طالب علم في مكة المكرمة حصل على بعثة دراسية إلى لندن ، وذهب للاستئذان من شيخه العلامة المعروف بالمسجد الحرام حسن مشاط فلما طرح الأمر عليه
قال له لا أوافق
فقال الطالب : لكن هذه فرصتي يا سيدي
فقال لا أوافق
فلما كرر الطلب قال إذا أردت أن تذهب فاذهب ولست بشيخ لك.
رجع الشاب إلى منزله مهمومًا كيف يتدبر وماذا يفعل وهو حريص على رضا شيخه مهما كلف الأمر فنصحه بعض أصحابه بعرض الأمر على السيد عبد الله الجفري وكان من كبار طلبة الشيخ حسن مشاط ، فذهب إليه وطلب منه التوسط لدى الشيخ حسن.
فقال السيد عبد الله: أنا لا أقدر أن أفتح الموضوع ، لكن إذا ذكرت الأمر بحضوري لعل الله يأذن بالفرج.
ولمّا كان الدرس بعد العشاء رفع الطالب رأسه إلى الشيخ وبجواره السيد الجفري فبدأ يستعطف الشيخ حسن وإذا به يلتفت إلى السيد الجفري ويرفع صوته بالاعتراض : [هذا الشاب مصر على الذهاب إلى بلاد الكفر لندن وأنا ما أسمح له].
فقال السيد عبدالله : وكيف لا تسمح له وهو سيذهب إلى بلد لا يعبد الله فيها وهناك سيقيم الشعائر وسوف يذكر الله فيها.
وما يدريك يا شيخ حسن لعل الله يهدي أُناسًا على يده؟!
الجفري أوجد المخرج
تطلقت أسارير الشيخ حسن الذي يحترم كثيرًا السيد عبدالله، وقال : أوجدت لنا المخرج .
وما دام كذلك فتوكل على الله يا بني والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين]
المصدر صحيفة عكاظ : الأحد / 25 / ربيع الأول / 1435 هـ الأحد 26 يناير 2014 م .
-اُبتعث إلى جامعة لندن للدراسات العليا عام ١٣٨٥هـ
[يسر الله فجاءت البعثة إلى لندن فشد الرحال إليها عام 1385هـ. وهناك في بريطانيا وجد عالمًا يختلف عن عالم مكة المكرمة اختلاف كوكب عن كوكب آخر. لكنه والفضل لله ثم لشيوخه الأتقياء ودعواتهم جعل الدراسة نصب عينيه. وقد درس الإنجليزية على بعض الأساتذة هناك وخصص كل سبت للدراسة على يد مدرسة إنجليزية متقاعدة ذات كفاءة عالية.
وتقدم بعد ذلك للامتحان في جامعة لندن فاجتازه بنجاح. وأجرى مقابلة مع البروفيسور أندرسون رئيس قسم الحقوق المقارن الذي ناقش الطالب عبدالوهاب وزميله محمد بن إبراهيم أحمد علي رحمه الله ، فسجلهما طالبيّ دراسات عليا بعد أن اقتنع بمستواهما العلمي.
حصل على الدكتوراة من جامعة لندن وعاد إلى أم القرى.
وعُين بكلية الشريعة بمكة المكرمة مدرسا يدرس فيها أصول الفقه . هذا هو العلم الذي يعتز به ]
المصدر صحيفة عكاظ : الأحد / 25 / ربيع الأول / 1435 هـ الأحد 26 يناير 2014 م .
-حصل على درجة الدكتوراه مع التوصية بطبع الرسالة في شوال عام ١٣٩٠هـ .
-حصل على دبلوم في القانون الإنجليزي والدراسات الحقوقية أثناء تحضيره للدكتوراه من كلية لندن.
-بدأ العمل مدرسًا بكلية الشريعة بمكة المكرمة في شهر شوال١٣٩٠هـ إلى أن تقاعد عام ١٤١٣هـ .
كان يفكر بعد التقاعد أن ينشيء مكتبة تجارية متخصصة في النتاج المكي فقط
[لم يكن اللقاء والحوار مع الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان العالم الفقيه ، عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو المجامع الفقهية أمرًا سهلاً إذ تطلب الإعداد الإطلاع على عدد كبير من دراساته التي أنجزها في مجالات الفقه والأصول ومناهج البحث وفقه المعاملات فضلاً عن دراساته الحضارية المتعلقة بالتاريخ الثقافي والحضاري للمسجد الحرام والمواضع المحيطة به. إذ كتب أبو سليمان عن توسعة المسعى وسوق المسعى ومكتبات باب السلام والوراقين المكيين ومكتبات مكة المكرمة في موقع مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الحرام الجامع والجامعة ، وغيرها من الأعمال التي توثق التاريخ الحضاري لمكة المكرمة.
[تميز جيلكم بالتحصيل العلمي على مدرستين : مدرسة كبار علماء الحرمين الشريفين من المحدثين والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وطالب في أرقى الجامعات والمعاهد العالمية ..
فهل لكم أن تحدثونا عن تجربتكم الذاتية ؟
•• نعم .. أحمد الله أني نهلت من المدرستين مدرسة وجامعة المسجد الحرام وكذلك المعاهد والجامعات المعروفة في الداخل والخارج ، فقد أدت كل واحدة من تلك المدرستين دورها في تأهيلي .
وفي حلقات المسجد الحرام كنا نمارس الملازمة ، وقد لازمت دروس شيخي العلامة حسن مشاط في حلقته وفي داره حتى اكتسبت من علمه الكثير ، ولازمته حتى اكتسبت من خلقه ما مثل لي مفهوم القدوة في سلوك العلماء متأدبًا على يديه يرحمه الله .
أما في المعاهد والجامعات فالتحصيل يتم على نظم دراسية تنتهي بالحصول على درجة علمية.
وقد أدت المدرستان دورهما في تكويني.
ويصح القول بأن المسجد الحرام له دوره المعروف في التكوين والجامعات لها شخصيتها ومنهجها لأجل محاولة ملء الفراغ الذي افتقدناه في السابق ، وبالتالي أصبح التكوين في الحاضر منوطًا بالجامعات ، وكما يقول الشاعر أبو الحسن التهامي :
«ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار»
فالكل أدى دوره على نمط عصره ومقتضيات زمانه ] .
المصدر : صحيفة عكاظ 1436/7/27هـ ، حاوره : خالد عباس طاشكندي
-عضوًا بهيئة كبار العلماء العلماء بالمملكة العربية السعودية من عام ١٤١٣هـ إلى عام ١٤٤٣هـ [ ٣٠ عامًا ].
[في تكريم الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عام 1429هـ بمناسبة إصدار كتابه الفخم الحافل عن ( باب السلام بالمسجد الحرام ) فوجئ وزير الإعلام الأستاذ إياد مدني ونادي الرياض الأدبي ( الذي أصدر الجائزة باعتبار كتاب باب السلام كتاب العام ) ، والحاضرون بدخول الشيخ صالح بن حميد الذي قال مازحًا أتيت على غير دعوة متقمصًا شخصية الصحافي الملقوف فالدكتور عبدالوهاب أبوسليمان شيخي فلم تطاوعني نفسي البقاء بعيدًا عن شيخي وهو في نفس المدينة.
وقال الشيخ صالح بن حميد عن الدكتور عبدالوهاب :
" تتلمذت عليه في مقاعد الدراسة العليا ، حيث كان يعلمنا أصول الفقه فنًا وعلمًا ويفتح لنا أبواب البحث عن المصادر وارتياد المكتبات ".
ثم قال : " لقد بقي الدكتور عبدالوهاب كما عهدته منذ توليه عمادة كلية الشريعة حتى الآن متجددًا وذا تفكير نوعي وخلاق يتعب كل من يأتي بعده محاولاً اقتفاء أثره وتكرار ارتياد تجربته]
المصدر صحيفة عكاظ : الأحد / 25 / ربيع الأول / 1435 هـ الأحد 26 يناير 2014 م .
-مكتبة مكة المكرمة (مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام) بالقرب من الصفا في مبنى أوقفه الشيخ عباس قطان (رحمه الله) قبل أكثر من سبعين سنة.
خصص كل يوم إثنين من كل أسبوع للمداومة فيها والإشراف على ترتيب وتبويب وتصنيف وفهرسة الكتب في القاعات المختلفة التي عمّرها رجالات مكة المكرمة بالكتب إذ أوقفوا مكتباتهم عليها ومنهم الشيخ حسن مشاط رحمه الله تعالى.
_ تأثير مكة المكرمة ، المسجد الحرام ، الكعبة المشرفة، علماء المسجد الحرام على شيخنا:
يقول أ.د عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه الحرم الشريف الجامع والجامعة، ص ٤٨ متحدثًا عن حلقات العلم في المسجد الحرام :
(يتفق حديث كل من عايش تلك الحركة في مطلع القرن الرابع عشر على نشاطها وسمو الروح العلمية بين جماعاتها، ولا أدل على هذا من كثرة الدروس والحلقات العلمية التي ازدحمت بها ساحاته (المسجد الحرام) وضاقت بها أروقته، فكان من ثمارها تخريج أعداد بل أفواج كبيرة متتالية من العلماء والمتعلمين ، الذين أصبحوا بعد ذلك قيادات فكرية وإجتماعية في هذه البلاد والبلاد الإسلامية الأخرى).
ويقول الشاعر أحمد إبراهيم غزاوي :
(وقد أدركنا الحلقات في المسجد الحرام تغص بالطلاب الكبار والصغار ليلاً ونهارًا، وفي جميع الأوقات حتى منتصف الليل، ولا أبالغ إن قلت إن عددها أكثر من مئة بين الأروقة والحصاوي وفي المدارس المجاورة والخلاوي).
مجلة قريش ١٠ رجب ١٣٨٣هـ ٠ ع : ٢٠٥ ص : ٤٠.
ويقول الشاعر الوزير حسين علي عرب :
(فأنا وزملائي الذين كنا نذاكر دروسنا في المسجد الحرام بعد العصر والمغرب في الأربعينات والخمسينات الهجرية، تعرفنا إلى بعض هؤلاء العلماء الأفذاذ واستفدنا من حلقاتهم، ومن فنون العلوم التي كانوا يدرسونها لطلابهم المنتظمين، فقد كانت كل حلقة تمثل مدرسة خاصة وكان لها طلابها المنتظمون فيها من أهل مكة وشبابها ومن أجناس المسلمين).
مجلة المنهل ، ربيع الأول وربيع الآخر ١٤٠٩هـ٠ع : ٤٦٧ ، ص : ٤٧ .
ومن خير بقاع الأرض بل أحبها إلى الله تعالى وإلى مصطفاه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومن البيت العتيق و جنبات المسجد الحرام وروحانيته وبعلمائه الموهوبين، ظهرت شخصية شيخنا، وكان من أبرز ملامحها :
- التواضع الجم الملحوظ
- الرسوخ في العلم والتقدم
- عدم المبادرة والمسارعة إلى الفتيا
- الخوف من الظهور، وكان يتمثل في قول القائل
(إنما الظهور قصم الظهور)، ويقول للظهور ضريبة وأنا لا أحب أن أدفعها.
- الموسوعية وهذه من أبرز خصائص شخصية العالم المكي.
-كثرة النتاج في تخصصه بكل دقة ومهارة، وغيره.
-رد جزء ما لمكة المكرمة في عنقه وخصوصًا في أواخر عمره، حيث ألف الكثير عن مكة المكرمة وتاريخها. وغير ذلك.
وختامًا نستطيع أن نقول:
[ إن معالي سيدي و شيخي وتاج رأسي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان صاحب الفضل والأفضال، من إذا تكلم قال، وإذا كتب أجاد المقال، وإذا صمت جاء بما لم يستطع عِظام الرجال، قولهُ حقٌ ، وصمتهُ حمدٌ، وما رأت عيني مثله قط].
-انتقل إلى رحمة الله تعالى في فجر يوم الإثنين ٩/٢٥/ ١٤٤٤هـ، وصُلي عليه بالمسجد الحرام عَقب صلاة الظهر يوم الإثنين ٩/٢٥/ ١٤٤٤هـ ، ودُفن بمقبرة المعلاة أمام أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها.
رحمه الله تعالى رحمة الأبرار وبارك في نسله وطلابه ومريديه وذويه ومحبيه وأهله الأخيار، وجمعنا به في دار القرار، في جنّات تجري من تحتها الأنهار، مع النبي المختار وآله الأطهار وصحبه الأخيار صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بعد طول أعمار، وحسن أعمال في خير ولطف وعافيه وصلاح وتقوى واستقامة، وإلى حضرة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الفاتحة.
حُرر في يوم الخميس ١٢/٢٣/ ١٤٤٦هـ.
الموافق ٦/١٩/ ٢٠٢٥ م. مكة المكرمة.
اعده وكتبه محمد بن علي يماني.
0 تعليقات